حول كتابة القرآن ورسمه، وكل ما استندوا إليه يرجع إما إلى روايات باطلة نسبت إلى السلف الصالح كذبا وزورا، وقد تنبه العلماء إليها من قديم الزمان، وإما إلى اعتراضات (١) أوردها المؤلفون في تفسير القرآن وعلومه وأجابوا عنها بما يقنع ويشفي، فجاء هؤلاء القسس الذين تستروا تحت اسم «المستشرقين» فاطلعوا على هذه الروايات والاعتراضات فطاروا بها فرحا، وهولوا ما شاء لهم هواهم أن يهولوا، وظنوا أنهم وصلوا إلى ما يريدون من تشكيك المسلمين في أقدس مقدساتهم وهو القرآن الكريم.
وقد قيض الله لهذه الشبه من علماء المسلمين من زيفها وبين بطلانها، وسترى بعد إيرادنا هذه الشبه والرد عليها أنها سراب لا حقيقة له، وأنهم طعنوا في غير مطعن، وطاروا في غير مطار.
الشبهة الأولى:
قالوا: روي عن عثمان- رضي الله عنه- أنه حين عرض عليه المصحف قال: أحسنتم وأجملتم إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها. وروي عن عكرمة أنه قال: لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان فوجد فيها حروفا من اللحن فقال: لا تغيروها فإن العرب ستغيرها، أو قال ستعربها بألسنتها، لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف. قالوا: فكيف تكون المصاحف العثمانية مع هذا موضع إجماع من الصحابة وثقة من المسلمين بل كيف يكون رسم المصحف توقيفيا، وهذا هو عثمان يقول إن فيه لحنا.
والجواب:
١ - إن هاتين الروايتين ضعيفتا الإسناد، وإن فيهما اضطرابا وانقطاعا يذهب بالثقة بهما، كما قال الإمام السخاوي في الرواية الثانية، ونقله الإمام الآلوسي في تفسيره (٢)، وعكرمة لم يسمع من عثمان أصلا وقد روي

(١) انظر مقدمتان في علوم القرآن ص ١٠٤ وما بعدها.
(٢) جزء ٦ ص ٥ ط منير.


الصفحة التالية
Icon