الأثر الثاني عن يحيى بن يعمر عن عثمان وهو أيضا لم يسمع من عثمان، وقد رد الرواية الأولى جماعة من العلماء كالإمام أبي بكر الباقلاني والحافظ أبي عمرو الداني وأبي القاسم الشاطبي والجعبري، وغيرهم، وغير خفي على المتأمل ما في الروايتين من اضطراب وتناقض، فإن قوله: أحسنتم وأجملتم مدح وثناء وقوله: إن فيه لحنا يشعر بالتقصير والتفريط، فكيف يصح في العقول أن يمدحهم على التقصير والتفريط!
وأيضا فالغرض من كتابة المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه على حرف قريش أن تكون مرجعا عاما يرجع إليه المسلمون عند الاختلاف في حروف القرآن وقراءاته، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يكل تصحيحها إليهم، إن هذا إن صح فسيصل بنا إلى الدور المحال؛ إذ تكون صحة قراءتهم متوقفة على القراءة وفق المصاحف التي كتبها لهم عثمان، وصحة المصاحف وسلامتها من اللحن متوقفة على صحة قراءتهم، وهذا ما ننزه عنه أي عاقل فضلا عن عثمان رضي الله عنه.
٢ - إن هذين الأثرين يخالفان ما كان عليه عثمان رضي الله عنه من حفظه القرآن، وملازمة قراءته، ومدارسته، حتى صار في ذلك ممن يؤخذ عنهم القرآن، وقد حرص غاية الحرص على إحاطة كتابة المصاحف بسياج قوي من المحافظة على القرآن أن يتطرق إليه لحن أو تحريف أو تبديل وجعل من نفسه حارسا أمينا على كتّاب المصاحف في عهده، والمرجع عند أي اختلاف في كيفية الرسم فقد قال للرهط القرشيين: إذا اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش، وقد اختلفوا في التَّابُوتُ أيكتبونه بالتاء أم بالهاء ورفعوا الأمر إليه، فأمرهم أن يكتبوه بالتاء، فإذا كان هذا شأنه وشأنهم في حرف لا يتغير به المعنى، ولا يعتبر تحريفا ولا تبديلا لاستناده إلى الحروف التي نزل بها القرآن فكيف يعقل منه أن يرى في المصاحف لحنا ثم يقرهم عليه وإليك رواية أخرى تدل على مبلغ عنايته بالقرآن عند الكتابة.
أخرج أبو عبيد، عن عبد الرحمن بن هانئ مولى عثمان قال: كنت عند


الصفحة التالية
Icon