والجواب:
إن هذه الرواية إن صحت فابن جبير لم يرد باللحن الخطأ وإنما أراد اللغة، وهو أحد معاني اللحن كما في القاموس، وغيره من كتب اللغة ولو كان يريد باللحن الخطأ لما قرأ به، وكيف يقرأ بحرف يرى أنه خطأ وقد قرئت هذه الكلمة بقراءتين سبعيتين؛ قرأ الجمهور بالنصب وقرأ غير الجمهور بالرفع والمقيمون الصلاة أما الرفع فظاهر، إذ هو معطوف على ما قبله، وأما النصب فوجهه النصب على المدح لبيان فضل الصلاة ومنزلتها من شرائع الدين، ولهذا الأسلوب شواهد كثيرة في لغة العرب، وقد عقد له سيبويه في الكتاب بابا فقال: «هذا باب ما ينتصب على التعظيم» ومما أنشده:
لا يبعدون قومي الذين هم... سم العفاة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك... والطيبون معاقد الأزر
وإليك ما قاله إمام من أئمة العربية، قال الزمخشري في تفسيره ج ١ ص ٣٩٧ عند تفسير هذه الآية: ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا في خط المصحف وربما التفت
إليه من لم ينظر في الكتاب (١) ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتتان وغبي (٢) عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم، وخرقا يرفوه من يلحق بهم.
الشبهة الثالثة:
قالوا: روي عن ابن عباس في قوله تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها إن الكتاب أخطأ، إنما هو «تستأذنوا» فهذا يدل على أن القرآن دخله بعض التحريف والتبديل بسبب الكتابة.

(١) مراده كتاب سيبويه وهو علم بالغلبة عند النحويين.
(٢) أي: خفي عليه، ولم يفطن له.


الصفحة التالية
Icon