وأيضا فقد كان قيام الليل واجبا في صدر الإسلام على النبي، وقيل عليه وعلى أصحابه وعماد القيام بالصلاة ومن أركانها قراءة القرآن قال تعالى:
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ (١) أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (٤) [المزمل: ١ - ٤] وكانوا مخيرين في هذا الوجوب بين الثلث أو النصف، أو الثلثين، وقد مكثوا على هذا عاما أو عامين، وقيل عشر سنين حتى كانت تنتفخ أقدام بعضهم من طول القيام فخفف الله عنهم، وصار مستحبا، ونسخ الفرضية بقوله سبحانه في آخر السورة إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٢) عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (٣) عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠) [المزمل: ٢٠] وبذلك صار مستحبا مرغوبا فيه ووكل إلى كل ما يستطيعه من ساعاته.
وقد كان النبي والصحابة ملازمين للقيام وقراءة القرآن حتى بعد التخفيف ونسخ الفرضية حتى استحقوا الثناء من الله عز وجل قال سبحانه: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ
(١٧) [السجدة: ١٦ - ١٧].
وقال سبحانه: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) [الذاريات ١٧ - ١٩].
وقد كان هذا القيام لونا من ألوان التربية الإسلامية حتى تصفو نفوسهم
(٢) أي: ساعاتهما، ويعلم القدر الذي تقوم منه وأنكم لا يمكنكم المواظبة على هذا، لأن لكم طاقة، كما أنه منكم المرضى، ومنكم من يسعى على رزقه، كما أنه سيفرض عليكم الجهاد فيما بعد، فكان من حكمتي ورحمتي التخفيف عليكم.
(٣) بهذا الجزء من الآية استدل أبو حنيفة وأصحابه على صحة الصلاة بالفاتحة وغيرها.