من هذا، والله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة (١). وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله (٢)، وإنه ليعلو ويحطم ما تحته!!
فإذا كان هذا تأثير القرآن في مشرك عنيد حتى استشعر هذه الطلاوة وتلك الحلاوة، فكيف بمسلم عمر قلبه بالإيمان، وأشرقت نفسه بنور القرآن
وفي الحديث الذي ذكرته آنفا: «لا يخلق على كثرة الرد». أي: لا يبلى ولا تسأمه النفوس مهما تكرر، وكلما كررته لا يزداد إلا حلاوة، وكلما أجلت فيه الفكر والنظر لا يزداد إلا طلاوة، ومن قرأ القرآن غضا طريا كما أنزل، وبخشوع، وتدبر استشعر هذه الحلاوة، فإنها تسري في لعابه ويجدها في لسانه.
وهذه الخاصية القرآنية لا تجدها عند قراءة أي كتاب آخر مهما كان، نعم قد يجد المسلم حلاوة، ولكنها دون هذه الحلاوة، حينما يقرأ كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا سيما في جوامع كلمه التي رويت بلفظها، ولم يدخلها الرواية بالمعنى.
فمن ثم كانت هذه الخصائص البيانية، والأسلوبية، والوجدانية من أكبر العوامل المساعدة على مداومة تلاوته، وإجادة حفظه والمحافظة على نصوصه.
العامل التاسع تيسير الوسائل لحفظه في المساجد، والكتاتيب، والبيوت، وغيرها:
ومن العوامل، أيضا تيسير الوسائل لحفظه فهذا المسجد الحرام، وهذا المسجد النبوي ومئات غيرهما في العهد النبوي، ثم ألوف، وألوف فيما بعد ذلك كانت عامرة بتلاوة القرآن، وبقراء القرآن المجيدين له، يتورعون عن أخذ الأجرة على تعليمه، ويرون في قيامهم بالإقراء حسبة لله منزلة ليس

(١) بضم الطاء وفتحها: بهجة وحسن شكل.
(٢) أي: كثير الغدق أي: الماء والشجر إذا كان أصلها غدقا كانت نامية مخضرة مثمرة.


الصفحة التالية
Icon