حسد إلا في اثنتين؛ رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار... »
وروى الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، «يقول الرب سبحانه وتعالى من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» إلى غير ذلك من الأحاديث التي سقناها في الدواعي والأسباب الحاملة على حفظ القرآن.
وقد كان للسلف في قدر القراءة عادات، فأكثر ما ورد في كثرة القراءة من كان يختم في اليوم والليلة ثمان ختمات أربعا في الليل وأربعا في النهار ويليه من كان يختم
في اليوم والليلة أربعا، ويليه ثلاثا (١)، ويليه ختمتين، ويليه ختمة، وقد ذمت السيدة عائشة ذلك؛ فأخرج ابن أبي داود، عن مسلم بن مخراق قال: قلت لعائشة إن رجالا يقرأ أحدهم القرآن في ليلة مرتين أو ثلاثة، فقالت: قرءوا أو لم يقرءوا، كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة التمام فيقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء، فلا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا ورغب، ولا بآية فيها تخويف إلا دعا، واستعاذ.
ويلى ذلك من كان يختم في ليلتين، ويليه من كان يختم في كل ثلاث وهو حسن، وكره جماعات الختم في أقل من ذلك لما روى أبو داود والترمذي وصححه من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا: «لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث» وأخرج ابن أبي داود، وسعيد بن منصور، عن ابن مسعود موقوفا عليه قال: «اقرءوا القرآن في سبع ولا تقرءوه في أقل من ثلاث».
وأخرج أبو عبيد، عن معاذ بن جبل أنه كان يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث.
ويليه من ختم في أربع، ثم في خمس، ثم في ست، ثم في سبع، وهذا أوسط الأمور وأحسنها؛ وهو فعل الأكثرين من الصحابة وغيرهم،

(١) لعل المراد بذلك إمراره بذلك على القلب واستعراضه في الذهن، أما النطق بالألفاظ ولو على سبيل الإسراع فغير ممكن أن يحدث هذا العدد من الختمات في اليوم والليلة حتى ولو لم ينم، فما بالك لو أنه قرأه بتؤدة وتمهل ونام ولو جزءا قليلا من الليل أو النهار


الصفحة التالية
Icon