بقبح الأداء، ولعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام؛ لأن الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعي الأداء؛ فإن وجد من يراعيهما معا فلا شك في أنه أرجح من غيره؛ لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت، ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء (١).
وهو كلام من التحقيق والتدقيق بمكان، وقد فصل القول غاية التفصيل وأحسنه، وفيه الكفاية لمن يريد معرفة الحكم الشرعي في هذه المسألة التي كثر فيها الكلام، وقد ورد في هذا المعنى حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: «اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها (٢) وإياكم ولحون أهل الكتابين (٣) وأهل الفسق، فإنه سيجيء أقوام يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية، لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم» أخرجه الطبراني والبيهقي. ويستحب طلب القراءة من حسن الصوت والإصغاء إليها، وذلك لحديث أبي موسى الذي ذكرناه آنفا؛ ففي رواية مسلم في صحيحه وغيره أن النبي ﷺ قال لأبي موسى: «لو رأيتني وأنا أسمع قراءتك البارحة» فقال أبو موسى: أما إني لو علمت بمكانك لحبرته لك تحبيرا؛ أي: لزينته، وحسنته تحسينا.
ولا بأس باجتماع الجماعة في القراءة ولا بإدارتها، وهي: أن يقرأ بعض الجماعة قطعة ثم البعض قطعة بعدها، ويستحب قراءته بالتفخيم لحديث الحاكم: «نزل القرآن بالتفخيم» قال الحلبي: ومعناها: أن يقرأه على قراءة الرجال، ولا يخضع الصوت فيه ككلام النساء.
١٢ - الجهر بقراءة القرآن، والإسرار أيهما أفضل
وردت أحاديث تقتضي استحباب رفع الصوت بالقراءة، وأحاديث

(١) فتح الباري ج ١٠ ص ٤٤٨، ٤٤٩.
(٢) أي: طريقتهم في الترنم والأداء.
(٣) يعني: كما يفعل اليهود والنصارى في قراءة كتبهم فإنها إلى الغناء والترنيم أقرب منها إلى تحسين الصوت وحسن الأداء وإلى التعمية والخفاء أقرب منها إلى الظهور والوضوح.


الصفحة التالية
Icon