بعض، وقد دل القرآن بهذه السياسة الرشيدة في إصلاح الشعوب وتهذيبها على أنه معجز، وأنه من عند الله؛ فما كان لبشر- مهما كان ذكيّا- أن يتوصل إلى هذه الطرق الحكيمة في ذلك الوقت الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذلك من صنع الحكيم العليم الخبير.
٣ - تيسير حفظه وفهمه على الأمة، فقد أوجب الله على المسلمين حفظ ألفاظه، كما أوجب عليهم فهم معانيه، قال تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ
أُولُوا الْأَلْبابِ
(٢٩) [سورة ص: ٢٩]، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) [سورة محمد: ٢٤].
وقد ابتلي المسلمون في مكة بالمشركين، كما ابتلوا في المدينة باليهود والمنافقين هذا إلى اشتغالهم بأمور معايشهم، وبإقامة الدين، ونشر الإسلام، والدفاع عن دعوته، فلو نزل القرآن مرة واحدة لما أمكنهم حفظه ولا فهمه مع وجود هذه الملابسات والظروف المحيطة بهم.
لذلك اقتضت حكمته أن ينزل القرآن مفرقا، حتى إذا ما نزلت قطعة منه أمكنهم أن يحفظوها ويجيدوا فهمها.
٤ - تثبيت قلوب المؤمنين، وتعويدهم على الصبر والتحمل بذكر قصص الأنبياء والسابقين الفينة بعد الفينة، وتذكيرهم بأن النصر مع الثبات والصبر، وأن العاقبة للمتقين، والخذلان والخسران للكافرين، اقرأ- إن شئت- قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤) [سورة البقرة: ٢١٤]، فقد ذكر «عطاء» أن المسلمين لما هاجروا إلى المدينة، وتركوا الأهل والوطن والمال، وآثروا رضاء الله ورسوله، وتعرضوا لألوان من الإيذاء والجهد والفقر والمرض، ومعاداة اليهود والمنافقين لهم، شق ذلك على نفوسهم، فأنزل الله هذه الآية.
وقال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢) [سورة آل عمران: ١٤٢]، وقال تعالى: الم (١) أَحَسِبَ


الصفحة التالية
Icon