٢. صفة الهمزة ومخرجها: ذكر القدامى أنّ الهمزة صوت شديد مجهور يخرج من أقصى الحلق (١)، وصنّفوها ضمن حروف المد في حين أنها صوت صامت (٢). واختلفوا فيها من حيث حرفيّتها وكتابتها. ووصفها المحدثون بأنها صوت انفجاريّ يحدث من انطباق الوترين الصوتيين واحتباس الهواء داخل الحنجرة ثم يخرج على صورة انفجار (٣). واختلفوا في كونها مجهورة أو مهموسة أو بين بين، وقالوا بأنها صوت شديد لا مجهور ولا مهموس (٤).
وكان لنطق الهمزة عند العرب صور احتفظت بها القراءات القرآنية. إذ من المعلوم أنهم اختلفوا في تحقيقها وتسهيلها. فالقبائل التي اشتهرت بتحقيقها، هي القبائل التي سكنت وسط جزيرة العرب وشرقيها كتميم وما جاورها، أما التي سكنت شمال الجزيرة وغربيها فلم تهمز في كلامها، وإنما مالت إلى حذفها وتخفيفها (٥).
وقد أبان الواسطيّ في بدء كلامه عن مخرج الهمزة وصفتها فقال: (لمّا كان الهمز يخرج من أقصى الحلق وما يليه من أعلى الصدر مشبها للتّهوع والسّعلة؛ أوجب على أكثر الناطقين به كلفة ومشقة) (٦). وهذا القول يوحي بأنّ المؤلف جعل لما بعد الحلق أهمية ومساهمة في إنتاج الصوت اللغوي عند الإنسان. وهذا هو ما جاء به الدرس اللغوي الحديث، حيث عدّت القصبة الهوائية والرئتان من الأعضاء المساعدة على النطق، وذلك بما تؤديانه من انكماش واتساع وحصر لتيار
(٢) أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة/ ٢٦٥.
(٣) الدراسات الصوتية عند علماء التجويد/ ٢٤٠، والقراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث/ ٢٤، وعلم الأصوات العام/ ١١٧.
(٤) الدراسات اللهجية الصوتية عند ابن جني/ ٣١٤، والقراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث/ ٢٤، وعلم الأصوات العام/ ١١٧.
(٥) القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث/ ٣٠، وفقه اللغة (د. كاصد) / ٢١٠.
(٦) الكنز/ ١٩١.