فاستجاب الصحابة كلهم لذلك، وحمدوا صنيعه، حتى عبد الله بن مسعود نفسه، فإنه بعد أن امتنع قليلا وافق طواعية، كما ثبت ذلك بالأدلة القاطعة الثابتة عنه (١).
وإنما صنع عثمان ذلك بهذه المصاحف الفردية لإزالة جذور الخلاف ومنابته.
وقد انعقد إجماع الأمة عبر كل العصور منذ عهد الصحابة على التزام المصحف الذي أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم، وعملت بذلك جميع الفرق الإسلامية، لا يسمح أحد بمخالفة المصحف لا في رسمه ولا ترتيبه.
وهذه المصاحف في مختلف البلاد الإسلامية ولدى مختلف الفرق المسلمة لا تختلف في شيء عن مصاحف أهل السنّة، حتى في طريقة تقسيم السور وترقيمها، الأمر الذي أثبت بالدلالة القاطعة لكل العقلاء المنصفين على اختلاف أديانهم «أن المصحف الذي نسخه عثمان قد تواتر إلينا بدون أي تحريف على الإطلاق في النسخ التي لا حصر لها المتداولة في البلاد الإسلامية الواسعة، فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية المتنازعة، وهذا الاستعمال الإجماعي من الجميع للنص المقبول نفسه حتى اليوم يعدّ أكبر حجة ودليل على صحة النص المنزل الموجود معنا» (٢).
فضيلة عمل عثمان:
وقد حمد المسلمون سلفا فخلفا لعثمان رضي الله عنه صنيعه، حتى لقبوه جامع القرآن، لما «وفّق له من هذا الأمر العظيم، ورفع الاختلاف، وجمع الكلمة، وأراح الأمة» (٣).
(٢) باختصار عن المستشرق (و. موير).
(٣) البرهان ج ١ ص ٢٣٩ و ٢٤٠.