جأشه، ولهذا ردّ القرآن على هؤلاء بأنهم هم الذين فقدوا رشدهم: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ.
وأما دعوى (الوحي النفسي) فقد وجدت لدى المنكرين ومثيري الشبهات مرتعا خصيبا ولا سيما اليهود من المستشرقين (١) لما فيها من التلبيس الخبيث والمكر في الدس والافتراء الذي يضفي على هذه الفرية مسحة كاذبة من دعوى البحث العلمي العصري.
وإن الثابت المقرر من مظاهر الوحي وآثاره ليثبت بطلان هذه الدعوى وكذبها، من وجوه كثيرة جدا، نذكر منها:
١ - إعجاز القرآن، فإن نفس محمد صلّى الله عليه وسلم مهما صفت فإنها ستظل كسائر المتعبدين والعباقرة يأتون بالشيء العظيم لكن لا يعجز أمثالهم أن يلحقوا بهم أو يسبقوهم ويتفوقوا عليهم، وهذا القرآن الذي أوحي به إلى محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلم معجز تحدى الجن والإنس، والأولين والآخرين، فأنّى يمكن أن يكون هذا الكتاب إلا من عند الله.
٢ - إن حادث الوحي يثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه آت من ذات مستقلة خارجة عن ذات النبي صلّى الله عليه وسلم، وذلك واضح في حديث بدء الوحي في غار حراء، حيث إن الملك جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فجأة كما في الحديث الصحيح المتفق عليه: «فجاءه الملك فقال اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ...
فهذا الحادث يوضح أن هناك ذاتا خارجة عن ذات محمد وشخصه تملي عليه وتأخذه وتغطّه أي تضمّه وتعصره عصرا شديدا، وتقول له: اقرأ، فهي ذات متكلمة، وهي ذات آمرة ومؤثرة في بدنه بالضغط الشديد عليه، حتى يقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «لقد خشيت على نفسي». وذلك يثبت بطلان زعم الوحي النفسي ويفنّده تفنيدا.