فعرّبتها بألسنتها، وحوّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فخاطبهم بها، لأنها صارت من لسانهم (١).
أثر علم الغريب والمفردات في كشف الإعجاز:
يحتاج المفسر إلى علم غريب القرآن كركن من عمله في التفسير، وكذلك يحتاج إلى التأمل في سائر مفردات القرآن أي ألفاظه وإن لم تكن غريبة بحسب الظاهر، لما عسى أن يكون قد ارتبط بها من مجاز أو ترجيح معنى على معنى أو غير ذلك، مما سبقت الإشارة إليه.
وإذا نظر المفسر البارع في فنون البلاغة المتذوق لجمال الكلام وأساليبه إلى غريب القرآن وسائر كلماته وألفاظه، بمنظار البلاغة وجمال الكلام، وجد فيها جمالا وفصاحة، يصل بمداومة النظر فيهما إلى كشف إعجاز القرآن في كلماته ومفرداته، كما هو معجز في جمله وآياته.
وقد وقع لبعض الناس من قدامى ومحدثين خطأ في هذه المسألة، فزعموا أن الألفاظ متساوية كلّها في الفصاحة، لأن العرب قد استعملتها جميعا.
وقد خالف جمهور علماء البلاغة والنقد الأدبي هذه النظرة، ووسموها بالسّقم والسطحية، حتى قال العلامة اللغوي الأديب ضياء الدين بن الأثير (٢):
«وقد رأيت جماعة من الجهّال إذا قيل لأحدهم: هذه اللفظة حسنة، وهذه قبيحة أنكر ذلك، وقال: كلّ الألفاظ حسن، والواضع لم يضع إلا حسنا.
ومن يبلغ جهله إلى أن لا يفرق بين لفظة: «الغصن» ولفظة «العسلوج»، وبين لفظة «المدامة» ولفظة «الإسفنط»، وبين لفظة «السيف» ولفظة «الخنشليل»، وبين لفظة «الأسد» ولفظة «الفدوكس»، فلا ينبغي أن يخاطب
وفيه قوله: «فهذا القول يصدّق الفريقين جميعا».
(٢) في كتابه المثل السائر في أدب الكاتب الشاعر ط. مصطفى الحلبي، تطرق لهذه المسألة في مواضع متعددة، وانظر تفصيلا لذلك في كتاب المعجزة الخالدة لأخي الشقيق الدكتور حسن ضياء الدين عتر ص ٢٠١ - ٢٠٣.