بخطاب، ولا يجاوب بجواب، بل يترك وشأنه، كما قيل: «اتركوا الجاهل بجهله، ولو ألقى الجعفر في رحله» (١).
وقد شهد أئمة العربية الأجلاء، أن ألفاظ القرآن هي أفصح كلام العرب، وأعلاها جمالا، وأنسا، وبعدا عن وحشيّ الكلام، وحسبنا في هذا قول الإمام أبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصبهاني، وقد مخر عباب ألفاظ القرآن في كتابه «المفردات في غريب القرآن» فقال في مقدمته (٢):
«فألفاظ القرآن هي لبّ كلام العرب وزبدته» وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم، وحكمهم، وإليها مفزع حذّاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرّعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتّبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة».
وقد عني العلماء النّقاد المتذوقون جمال الكلام بدراسة أثر الكلمة في جمال الأسلوب، وأثرها في إعجاز القرآن، في قديم الزمان وحديثه، وأثبتوا إعجاز الكلمة القرآنية في موقعها (٣).
نذكر مهمات من ذلك على سبيل الإيجاز الشديد، فمن ذلك.
١ - حسن اختيار ألفاظه ودقة أدائها:
واللغة العربية واسعة الثروة اللفظية، حتى لا يحيط بها إلا نبيّ، فاستحضار أحسن لفظ وأنسبه يحتاج إلى اطلاع على جميع ثروتها، ثم استحضار جميع ما يلائم الموقع من الألفاظ، ثم استعمال أنسبها وأفصحها،
(٢) ص ٦. قوله: «واسطته» أي كواسطة العقد، أنفس شيء فيه. بالإضافة: أي بالنسبة والقياس إليها.
(٣) نذكر من هذه الدراسات: المثل السائر لابن الأثير، وإعجاز القرآن للرافعي، والمعجزة الخالدة للدكتور حسن ضياء الدين عتر، أتى فيه بفصول قيمة، فانظره، وجماليات المفردة القرآنية، وهو أوفى ما كتب، قد جمع بين نظريات القدامى والمحدثين، ألّفه بإشرافنا الدكتور أحمد ياسوف، فجاء كتابا فريدا في بابه.