وكأن هذا الفريق يرى حديث ابن عباس تفسيرا من اجتهاده ورأيه، لأنه لم يأت مرفوعا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم في شيء من طرقه، ولا ورد عن أحد من الصحابة غير ابن عباس، وإن كان هذا التأويل غير ظاهر.
وقد يتساءل القارئ عن الحكمة من إنزال القرآن جملة واحدة ثم إنزاله منجما بعد ذلك.
والحق أنه لم يرد لنا نص صريح يجلو لنا سر ذلك. لكن الباحث يتلمس باجتهاده حكمة لذلك وسرا، ومن ذلك ما يلي:
١ - تفخيم أمر القرآن وأمر من نزل عليه، وذلك بإعلام سكان السموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم» (١).
٢ - سرّ يرجع لإعجاز القرآن، في ترتيب القرآن في النزول، ثم ترتيبه في المصحف، حيث ينظره جبريل في سماء الدنيا وهو على ترتيب المصحف، ثم يتنزل بآياته تباعا على حسب الحوادث فتوضع كل آية في مكانها في المصحف وفق الترتيب في اللوح المحفوظ (٢).
نزول القرآن منجما على قلب النبي الكريم
لقد صرّحت الآيات القاطعة بأن القرآن الكريم كلام الله المنزل من عند الله تعالى بلفظه ومعناه على قلب النبي صلّى الله عليه وسلم، لا تصرف لأحد في شيء منه ولا في حرف من حروفه.
قال تعالى: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ.
وقال: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ.
فالقرآن تلقاه النبي صلّى الله عليه وسلم من الله تعالى كما تشير كلمة

(١) البرهان ج ١ ص ٢٣٠ والإتقان: ١: ٤٠ - ٤١ وصرح بعزو هذا إلى المرشد الوجيز لأبي شامة. وانظر المرشد الوجيز ص ٢٤.
(٢) باختصار وتصرف عن كتاب الوحدة الموضوعية: ٧٤.


الصفحة التالية
Icon