«لدن»، وهو كلام الله كما صرحت الآية: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ.
لكن تنزيل القرآن على النبي صلّى الله عليه وسلم لم يكن دفعة واحدة، كما نزلت الكتب السابقة على الأنبياء دفعة واحدة، بل اختص الله تعالى هذا القرآن بأن أنزله منجما أي مفرقا، بحسب المناسبات، واقتضاء الحال، فكثيرا ما كانت تنزل خمس آيات، أو تنزل عشر آيات، أو أقل أو أكثر، وقد صح نزول عشر آيات قصار في أول سورة المؤمنون، ونزلت عشر آيات طوال في قصة الإفك في سورة النور، وقد ينزل بعض آية كقوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إلى آخر الآية نزلت بعد نزول أول الآية وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا.
وقد استمر نزول القرآن ثلاثا وعشرين سنة، منذ بدء الوحي إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وهو في سن الأربعين، إلى أن لحق بالرفيق الأعلى في الثالثة والستين من عمره الشريف صلّى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة.
الحكم في نزول القرآن منجما:
هكذا اختص القرآن الكريم من بين الكتب السماوية بأنه نزل مفرقا على نجوم كثيرة كما ذكرنا، وقد أثار ذلك أعداء القرآن من المشركين واليهود وغيرهم، فتساءلوا لماذا لم ينزل القرآن جملة واحدة، كما نزلت الكتب التي قبله؟.
وهذا سؤال تولّى الله تعالى الإجابة عنه في موضعين من قرآنه:
قال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا. وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (١).