وقال أيضا: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (١).
فبيّن القرآن حكما وأسرارا غفل عنها المتطفلون باقتراحهم، اقتضت نزول القرآن مفرقا، وبالنظر إلى عبارات الآيات القرآنية نستطيع عرضها من خلال أربعة جوانب، يستدل عليها من الآيات السابقة:
أولا، تثبيت فؤاد النبي صلّى الله عليه وسلم وتقوية قلبه:
كما قال تعالى: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ.
فقد بعث الرسول صلّى الله عليه وسلم في قوم جفاة شديدة عداوتهم، كما قال تعالى: وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا. وكانوا لا يكادون ينتهون من حملة أو مكيدة حتى يشرعوا في تدبير أخرى مثلها أو أشد أو أمرّ، فكانت تنزلات القرآن بين الفينة والأخرى تواسيه وتسليه، وتشدّ أزره وعزيمته على تحمل الشدائد والمكاره، لما فيها أولا من تجديد الاتصال بالملإ الأعلى كلما ادلهمّ الأمر أو نزل الخطب، مما يثلج القلب ويشرح الصدر. ثم ما هنالك من التذكير بالأسوة بالأنبياء السابقين وأحوالهم مع أقوامهم كما قال تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ....
ويستطيع القارئ تبين هذه الحكمة بسهولة ويسر لدى مراجعته قصص القرآن، كأن يقوم باستعراض سريع لسورة هود مثلا، وما فيها من بيان مواقف الأمم من أنبيائهم وتحمّل الأنبياء والمؤمنين معهم وصبرهم حتى ينزل الله تعالى نقمته على أعدائهم، ويكرم المؤمنين بالفوز والنجاة، مما له أثره البالغ في تثبيت المؤمنين وزلزلة قلوب الكافرين لتكرار ذلك في كل موقف، حتى ضربت الأمة الإسلامية المثل البالغ حيث تعرضت لهزات وأعاصير أباد جزء منها أمما وأذاب شعوبا وحضارات، فثبتت الأمة الإسلامية أمام ذلك كله.
بل سجلت أمة الإسلام في هذا المضمار ما هو معجز، حيث إنها