يفعل معذّبا لنعذّبنّ أجمعون؟ حتى بين له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي ﷺ عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه» أخرجه الشيخان (١).
٤ - كشف أسرار البلاغة في القرآن العظيم:
لما يفيده علم أسباب النزول من تلاؤم أسلوب القرآن مع مقتضى حال السامعين والعالمين إلى يوم الدين. وقد حفلت مصادر التفسير البلاغي بهذا اللون (٢).
كيف نعرف أسباب النزول:
لما كان سبب النزول أمرا واقعا نزلت الآية بشأنه كان من البدهي ألا يدخل العلم بهذه الأسباب في دائرة الرأي والاجتهاد لهذا قال الإمام الواحدي في ديباجة كتابه أسباب النزول (٣):
«ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها وجدّوا في الطّلاب».
ومن هاهنا نفقه تشدد السلف في البحث عن أسباب النزول حتى قال الإمام محمد بن سيرين: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: «اتق الله وقل سدادا، ذهب الذين يعلمون فيم أنزل الله من القرآن» (٤).
ولما أن أسباب النزول غير خاضعة للاجتهاد أدخلها علماء الحديث من الصحابي الذي عاين التنزيل وعاصره فيما له حكم المرفوع، وإن كانت العبارة فيها لفظ الصحابي (٥) كحديث ابن عباس السابق في جوابه لمروان، فإن
(٢) انظر دراسة موسعة لهذه الناحية في كتابنا «القرآن الكريم والدراسات الأدبية» ص ٨٥.
(٣) ص ٣ - ٤ وقارن بالإتقان ج ١ ص ٣١.
(٤) الموافقات للشاطبي ج ٣ ص ٤٢٢ - ٤٢٣، والإتقان الموضع السابق.
(٥) انظر المسألة في معرفة علوم الحديث للحاكم ص ٢٠ ومنهج النقد في علوم الحديث ص ٣٢٨ - ٣٢٩.