وحديث جندب: عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ».
وقد أجيب بأن النهي محمول على من قال برأيه فيما لا يعلم إلا عن طريق النقل وأنه أراد بالرأي الرأي الذي يغلب على صاحبه من غير دليل يقوم عليه، فيتناول من يعرف الحق لكنه يميل إلى رأي من طبعه وهواه فيتأول القرآن وفق هواه، ويتناول من كان جاهلا فيحمل الآية على ميله وهواه، ويتناول من يستدل بالقرآن على غرض صحيح غير مقصود به ما أراد، كمن يستدل ب اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى على مجاهدة النفس بحمل فرعون على النفس.
وأجيب أيضا بحمل النهي على من يقول في القرآن بظاهر العربية دون رجوع لما يجب معرفته على من يتكلم في التفسير. على أن حديث جندب ضعيف، فيه: سهل بن أبي حزم وهو ضعيف متكلم فيه (١).
واستدل الفريق الثاني وهم الجمهور على جواز التفسير بالرأي بما يأتي:
أولا: بنصوص كثيرة وردت في القرآن نحو أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ. فقد حثّ سبحانه على تدبر القرآن، بل وبخ الذين لا يتدبرونه.
ثانيا: لو كان التفسير بالرأي غير جائز لما كان الاجتهاد جائزا، وهذا باطل بيّن البطلان.
ثالثا: ثبت أن الصحابة قرءوا القرآن واختلفوا في تفسيره، ومعلوم أنهم لم يسمعوا كل ما قالوه في تفسير القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، بل توصلوا إلى معرفة البعض بعقولهم، ولو كان التفسير بالرأي محظورا لما فعلته الصحابة.

(١) راجع مقدمة التفسير لابن تيمية ص ٢٩ - ٣١ ومقدمة التفسير للراغب الأصفهاني ص ٤٢٢.


الصفحة التالية
Icon