وقال كعب الأحبار رحمه الله: إن في التوراة أن الغلام إذا تعلم القرآن وهو حديث السن، وحرص عليه، وعمل به، خلطه بلحمه ودمه، وكتبه عنده من السفرة الكرام البررة، فإذا تعلم الرجل القرآن وقد دخل في السن، وحرص عليه وهو في ذلك يتفلت منه، كان له أجره مرتين، ويكسى حلة من الكرامة، ويتوج بتاج الوقار، ويقول الله تعالى: هل رضيت هذا لعبدي؟ فيقول القرآن: ما رضيت ما أعطيته، فيعطى النعيم بيمينه والخلد بشماله، فيقول الله عز وجل: هل رضيت ما أعطيته لعبدي؟
فيقول: نعم (١).
قال: وحدثنا الكديمي، قال: حدثنا يونس بن عبد الله العمري، قال:
حدثنا داود أبو (٢) بحر الكرماني، عن مسلم بن شداد، عن عبيد بن عمير، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: إذا قام أحدكم من الليل فليجهر بقراءته، فإنه يطرد بقراءته مردة الشياطين وفساق الجان، وإن الملائكة الذين في الهواء وسكان الدار يصلون لصلاته، ويستمعون لقراءته، فإذا مضت هذه الليلة قالت لليلة المستأنفة: تحفظي لساعاته، وكوني عليه خفيفة، فإذا حضرته الوفاة وقف عند رأسه وهم يغسلونه، فإذا غسلوه وكفنوه جاء القرآن فدخل حتى صار بين صدره وكفنه، فإذا دفن جاء منكر ونكير، خرج حتى صار فيما بينه وبينهما فيقولان: إليك عنا فإنا نريد أن نسأله، فيقول: والله ما أنا بمفارقه أبدا حتى أدخله الجنة، فإن كنتما أمرتما/ فيه بشيء فشأنكما، قال: ثم ينظر إليه فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك، فيقول: أنا القرآن الذي كنت أسهّر ليلك، وأظمئ نهارك، وأمنعك شهوتك وسمعك وبصرك، فأبشر، فما عليك بعد مساءلة منكر ونكير من همّ ولا غمّ ولا حزن، ثم يعرج

(١) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» مفرقا، فأخرج شطرا منه (ص/ ٤٧)، وأخرج بقيته (ص/ ٨٤)، مع اختلاف يسير.
وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٢٩/ ٣٧٢)، بزيادة فيه، ومن طريق آخر مختصرا (٢٩/ ٣٧١ - ٣٧٢).
(٢) في الأصل: (ابن)، والمثبت من مصادر التخريج.


الصفحة التالية
Icon