ذي الجلال، وتهيّلت تهيّل الرمال؛ فصلاة الله وسلامه بالغدوّ والآصال، على المتحمّل له حقّ الاحتمال، والمستقلّ به كنه الاستقلال، ومفسّره بسنّته المبيّنة للحرام والحلال، ومودعه كما استودعه صدور الرجال، والمفضي به إلى خيار الأمة، أصحابه الأئمة، وتابعيهم من أبدال الأمة، بتسلّمه صدر عن صدر، وبنقله بدر زاهر عن بدر، محفوظا بالحلاة والعصمة، محمولا من ذمة وافية إلى ذمة، من كل جليل مهيب، من نظر إليه سرّه، أو كلّمه وقّره وبرّه، أو ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبرّه، أو منع القطر استنزله واستدرّه، تشرق الأرض بنورهم، وتحضر البركة بحضورهم، ويستسقى الغمام بعدهم بقبورهم، كانوا عصرا عصرا وزمانا زمانا، للأمة ملاذا وأمانا، وللرحمة حتما واقعا وضمانا، اعتزوا بالقناعة والزهادة، وجمعوا العلم للعبادة، وجلت أقدارهم ومراتبهم عن الزبادة، لولاهم لكان الدهر مبهما، والناس عطاشا هيّما، كرمهم الله وأحظاهم، وأزلفهم/ لديه وأرضاهم، كما آتاهم رشدهم وتقواهم، وأيّدهم بالعصمة وقواهم، وكافأهم على الوفاء بميثاقه الذي أخذه عليهم، وأداء الأمانة التي أفضى بها إليهم، وأعطى بها حقها من الإشاعة والنشر، وتخليد مآثرها على وجه الدهر، مكافأة تقرّ في جواره وبحبوحة داره عيونهم، وتستغرق أمانتهم وطنونهم، فقد بثّوا ما علموه، وبيّنوه لنا ولم يكتموه، وورّثوه وخياره فيه كما ورثوه.
وبعد، أيها الحريص المستوفز، والمستبطئ المستنجز، من غريب إلى أهله بارز، ومقيم همه إجازة يحرز بها ما يحرز، أنيخوا يسيرا ركائب سفركم، وأصبحوا قليلا بين يدي صدركم، حتى أنصح لكم جهدي، وأبرأ إليكم فيما تأخذونه عني بميثاقي وعهدي، فمن حار بعد وتحيّر، وبدّل وغيّر، وألقي في الحيرة مضطربا، فإن له معادا ومنقلبا، والله من ورائهم محيط، ولن يعجزه هربا؛ عليكم بتقوى الله، فهي نظام مماتكم ومحياكم، وقوام دينكم ودنياكم، والتجارة الرابحة التي تشترون، والغاية الطامحة التي إليها تجأرون، وتأدبوا بأدب الله تعالى فيما (١) يتلى عليكم وتتلون، ولا تولّوا عنه

(١) في الأصل: (فيها).


الصفحة التالية
Icon