وأنتم معرضون، ولا تكونوا كالذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون، ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون الكتاب أفلا تعقلون، ولا أعلمنّ (١) منكم مقعد الإقراء، مهذب الردّ والإصغاء، نبل الهيئة والرواء، عبق الثوب والفناء، مجتنبا للسمعة والرياء، كخضراء الدّمن، يا بؤس لتلك الخضراء، من نظر إلى ظاهره أسرع ورفرف، ومن استشف باطنه جدع/ وأفف (٢)، أولئك الذين نبأنا رسول الله ﷺ من أخبارهم، ووسمهم بنارهم، يقولون من خير قول البريّة، ويمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميّة.
عصمنا الله وإياكم من مضارعة صفة من صفاتهم، أو منازعة جهة من جهاتهم، نعم ومن آخرين لا يرجون لله وقارا، ولا يرفعون للقرآن العظيم منارا، ولا يرمون للقارئ أسماعا ولا أبصارا، كأنهم لا يعتقدون الأمر جدّا، ولا يرون الباطل للحق ضدّا، ألم يعلموا أن الله سميع قريب، وأنه مطلع عليهم رقيب، وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (٣).
ولله قوم ركبوا المحجة البيضاء، واقتبسوا نور الهدى فأضاء، يلقون إلى القارئ بالسمع، وتفيض أعينهم من الدمع، منازلهم عند الله مكينة، وقلوبهم خاشعة مستكينة، تنزل عليهم الرحمة والسكينة، يتخايلون الله بين أعينهم، لا يستخفهم أمر من الأمن أو الخوف لتبينهم وتثبتهم، وحق لمن بين يدي مولاه وعالم سرّه ونجواه، ألا تعدو (٤) عما ائتمنه عليه عيناه، وأن يعدل بين يسراه ويمناه.
روي عن عبد الله بن الزبير (٥) رضي الله عنهما في حصار الحجاج إياه أنه قام إلى صلاة في بعض تلك الشدائد التي (٦) يكاد الفرض فيها يحذف،

(١) بعدها في الأصل كلمة غير مقروءة.
(٢) في الأصل: (وافق).
(٣) سورة الطارق، الآيات: ١١ - ١٤.
(٤) في الأصل: (يعدو).
(٥) أورد القصة أبو نعيم في «الحلية» (١/ ٣٣٥)، والذهبي في «سير أعلام النبلاء» (٣/ ٣٦٩)، والفاسي في «العقد الثمين» (٥/ ١٥٢ - ١٥٣).
(٦) في الأصل: (الذي).


الصفحة التالية
Icon