بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثامن
(الإيمان بالبعث (٣))
انقلاب الكون في اليوم الآخر، وصور من أحوال هذا اليوم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
انقلاب الكون في اليوم الآخر:
ذلك اليوم الآخر الذي ينقلب فيه الكون بكل ما نعهده فيه من أوضاع الانقلاب، الذي يشمل الأجرام السماوية والأرضية، والوحوش النافرة، والأنعام الأليفة، ونفوس البشر، وأوضاع الأمور حيث ينكشف كل مستور، ويعلم كل مجهول، وتقف النفس أمام ما أحضرت من الرصيد والزاد في موقف الفصل والحساب، وكل شيء من حولها عاصف، وكل شيء من حولها مقلوب، وهذه الأحداث الكونية الضخام تشير بجملتها إلى أن هذا الكون الذي نعهده -الكون المنسق الجميل الموزون الحركة، المضبوط النسبة، المتين الصنعة، المبني بأيد وإحكام- سينفرط عقد نظامه، وتتناثر أجزاءه، وتذهب عنه صفاته هذه التي يقوم بها، وينتهي إلى أجله المقدر حيث تنتهي الخلائق إلى صورة أخرى من الكون، ومن الحقائق غير ما عهدت نهائيًّا في هذا الكون المعهود.
قال تعالى: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت * وإذا النُّجُومُ انكَدَرَت * وإذا الْجِبَالُ سُيِّرَت * وإذا الْعِشَارُ عُطِّلَت * وإذا الْوُحُوشُ حُشِرَت * وإذا الْبِحَارُ سُجِّرَت * وإذا النُّفُوسُ زُوِّجَت * وإذا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَت * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَت * وإذا الصُّحُفُ نُشِرَت * وإذا السَّمَاء كُشِطَت * وإذا الْجَحِيمُ سُعِّرَت * وإذا الْجَنَّةُ أُزْلِفَت *عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَت﴾ (التكوير: ١ - ١٤).
وقال تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاء انفَطَرَت * وإذا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَت * وإذا الْبِحَارُ فُجِّرَت * وإذا الْقُبُورُ بُعْثِرَت * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَت﴾ (الانفطار: ١ - ٥).
وقال تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاء انشَقَّت * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّت * وإذا الأَرْضُ مُدَّت * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّت * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّت﴾ (الانشقاق: ١ - ٥).
إن يوم القيامة ترتجف الأرض الثابتة ارتجافًا، وتزلزل زلزالًا، وتنقض ما في جوفها نقضًا، وتخرج ما يثقلها من أجساد ومعادن وغيرها مما حملته طويلًا،


الصفحة التالية
Icon