قاصرات الطرف، لا يتطلعن، ولا يمددن بأبصارهن، وكلهن شواب أتراب. أتراب يعني: في سن واحدة، سنهم واحد، سنهم شباب، وهو متاع دائم، ورزق من عند الله ما له من نفاد، وأما الآخرون فلهم مِهاد، لهم مكان يعيشون فيه، لكن لا راحةَ فيه، إنه جهنم فبئس المهادُ، ولهم فيه شراب ساخن، وطعام مقيت، إن ما يخرج ويسيل من أهل النار إنما هو طعامٌ لهم، ولهم صُنوف أخرى من جنس هذا العذاب.
ثم يتم المشهد بمنظر ثالث حي شاخص بما فيه من حوار، فها هي ذي جماعة من أولئك الطاغين من أهل جهنم كانت في الدنيا متوادة متحابة، فهي اليوم متناكرة متنابذة، كان بعضهم يملي لبعض في الضلال، ينصر بعضهم بعضًا على الإثم والعدوان، وكان بعضهم يتعالى على المؤمنين، ويهزأ من دعوتهم ودعواهم في النعيم، كما يصنع الملأُ من قريش: ﴿أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا﴾ (ص: ٩) قريش كانت تقول هذا، يعني: كانت لا تصدق أن سيدنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أرسله الله رسولًا إلى الناس، فكانوا يتكبرون على الإيمان برسالته ويقولون: ﴿أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا﴾؟!
هاهم أولاء يقتحمون النار فوجًا بعد فوج، وهاهم أولاء يقول بعضهم لبعض: ﴿هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ﴾ يعني: هذا فوج قادم للدخول في النار معكم، فماذا يكون الجواب، يكون الجواب في اندفاع وحنق يقولون لهم: ﴿لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّار﴾ لكن حينما يسمعون ذلك هل يسكتون؟ هل يسكت المشئومون؟ كلا، إنهم يردون عليهم: ﴿قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَار﴾ فلقد كنتم أنتم السببُ في هذا العذاب، وإذا دَعْوة فيها الحنق والضيق والانتقام من الذين هم موجودون في النار قبل هؤلاء، يتوجهون بدعوة إلى