فالكُهان ونحوهم وإن كانوا أحيانًا يخبرون بشيء من الغيبيات، ويكون صادقًا، فمعهم من الكذب والفجور ما يبين أن الذي يخبرون به ليس عن ملك، وليسوا بأنبياء، ولهذا لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن صياد: ((قد خبأتُ لك خبيئًا)) "فقال: الدح" يعني: الدخان، قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اخسأ، فلن تعدو قدرك)) يعني: إنما أنت كاهن. هذا الحديث أخرجه البخاري وفي (الأدب المفرد)، ومسلم.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يأتيني صادق وكاذب)) أخرجه البخاري، ومسلم من حديث ابن عمر، وأخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال: لقيه -أي: ابن صياد- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر في بعض طرق المدينة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أتشهد أَني رسول الله؟)) فقال هو: أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((آمنت بالله وملائكته وكتبه، ما ترى؟)) قال: أرى عرشًا على الماء. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ترى عرش إبليس على البحر)) وأخرجه الترمذي.
وبين الله تعالى أن الشعراء يتبعهم الغاوون، والغاوي الذي يتبع هواه وشهوته، وإن كان ذلك مضرًّا له في العاقبة، فمن عرف الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصدقه ووفاءه ومطابقةَ قوله لعمله، علِمَ علمًا يقينيًّا أنه ليس بشاعر ولا كاهن، والناس يميزون بين الصادق والكاذب بأنواع من الأدلة حتى في المدعي للصناعات والمقالات، كمن يدعي الفلاحة والنساجة والكتابةَ، أو علم النحو والطب والفقه، وغير ذلك.
والنبوة مشتملة على علوم وأعمال لا بد أن يتصف الرسول بها، وهي أشرف العلوم، وأشرف الأعمال، فكيف يشتبه الصادق؟! ولا ريب أن المحققين على أن خبر الواحد والاثنين والثلاثة قد يقترن به من القرائن ما يحصل معه العلم الضروري، كما يعرف الرجل رضا الرجل وحبه وبغضه وفرحه وحزنه، وغير