ذلك مما في نفسه بأمور تظهر على وجهه قد لا يمكن التعبير عنها، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ (محمد: ٣٠) ثم قال: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ (محمد: ٣٠) واللحن يقال على معنيين:
أحدهما: الكتابة بالكلام حتى لا يفهم غير مخاطبك.
والثاني: صرف الكلام من الإعراب إلى الخطابة، ويقال من الأول: لحنت بفتح الحاء، ألحن فأنا لاحن، وألحنته الكلام فلحنه أي: فهمه فهو لاحن، والثاني لحن بالكسر إذا لم يعرب، والمعنى الأول هو المراد بالآية الكريمة.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ أي: فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم، يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه، وهو المراد من لحن القول، كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: "ما سر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه". فإذا كان صدق الخبر وكذبه يعلم بما يقترن به من القرائن، فكيف بدعوى المدعي أنه رسول الله؟ كيف يخفَى صدق هذا من كذبه؟ وكيف لا يتميز الصادق في ذلك من الكاذب بوجوه من الأدلة؟
ولهذا لما كانت خديجة -رضي الله عنها- تعلم من النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه الصادق البار قال لها لما جاءه الوحي: ((إني قد خشيت على نفسي، فقالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق)). أخرجه البخاري، ومسلم، فهو -صلى الله عليه وسلم- لم يخف من تعمد الكذب، فهو يعلم من نفسه أنه لم يكذب، وإنما خاف أن يكون قد عرض له عارض سوء، وهو المقام الثالث، فذكرت خديجة ما ينفي هذا، وهو ما كان مجبولًا عليه من مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، وقد عُلم من سنة