الله سبحانه على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأنداد والأصنام والأوثان، وهي مخلوقة لله مربوبة مصنوعة، لا تملك شيئًا من الأمر ولا تضر ولا تنفع ولا تنتصر لعابديها، بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر، وعابدوها أكمل منهم -أكمل من الأصنام التي يعبدونها- بسمعهم وبصرهم وبطشهم.
ولهذا قال تعالى: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ (الأعراف: ١٩١) أي: أتشركون به مِن المعبودات -التي هي الأصنام- ما لا يخلق شيئًا ولا يستطيع ذلك، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: ٧٣، ٧٤).
معنى هذا: أن الله أخبر أنه لو اجتمعت آلهتهم كلها ما استطاعوا خلق ذبابة، بل لو أَخذت الذبابة شيئًا من حقير المطاعم وطارت لما استطاعوا إنقاذ ذلك منها، فمَن هذه صفته وحاله كيف يُعبد ليرزق ويستنصر؛ ولهذا قال تعالى: ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ (النحل: ٢٠) أي: بل هم مخلوقون مصنوعون، كما قال الخليل -عليه السلام- لقومه: ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ (الصافات: ٩٥).
ثم قال تعالى: ﴿وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا﴾ أي: لعابديهم. ﴿وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ (الأعراف: ١٩٢) يعني: ولا الأصنام تستطيع أن تنصر نفسها ممن أرادهم بسوء، يعني: إذا جاء واحد يكسر هذه الأصنام لا يستطيعون أن يمنعوه ولا أن يصدوه، كما كان الخليل -عليه الصلاة والسلام- يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة، كما أخبر تعالى عنه في قوله: ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِين ِ﴾ (الصافات: ٩٣). وقال تعالى: ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُون﴾ (الأنبياء: ٥٨).