الوجه الثالث: استعمال اللفظين في المعنى المشترك بينهما هو السيد المطاع. ومثال ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ﴾ (الأنعام: ١٠٢) وهو من النوع المعروف في البديع باللف والنشر المرتب.
فسياق الآيات يدل على أن المراد بالرب هنا السيد المطاع في أمره ونهيه، المفهوم من قوله تعالى قبلها: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ (الأنعام: ١٦١).
مثال آخر قول الله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ (التوبة: ٣١) وربوبية الأحبار والرهبان هنا بمعنى طاعتهم طاعة مقدسة في أمور الحلال والحرام، ومعنى عبادة الإله الواحد في قوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا﴾ أي: ليطيعوا سيدًا واحدًا لهم؛ لأن المقام عن الطاعة في التشريع.
كما جاء في حديث عدي بن حاتم أنه دخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقرأ هذه الآية، وكان عدي قد تنصَّر في الجاهلية فقال: ((إنهم لم يعبدوهم))، أي: ظن عدي أن العبادة المذكورة في هذه الآية هي العبادة المخصوصة لهم كالصلاة لهم أو دعائهم، فبيّن له النبي -صلى الله عليه وسلم- نوع العبادة المقصودة، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((بل إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم)) رواه الترمذي والطبراني وغيرهما.
الوجه الرابع: استعمال كل لفظ مكان الآخر، أي: هناك تلازم بين الربوبية والألوهية، فإذا ذُكر أحدهما دل على الآخر، باعتبارهما وصفين متفردين لذات


الصفحة التالية
Icon