واحدة، ولا يليق أحدهما إلا بالله، فإذا ذُكر الرب فُهم منه أنه المستحق للعبادة والطاعة وحده، وإذا ذكر الإله فُهم منه أنه الخالق الرازق المالك؛ لأنه لا يكون إلهًا حقًّا إلا بهذه الصفات.
ومن أمثلة ذلك قول الله تعالى: ﴿أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ (النمل: ٦٠) فالسؤال في أول الآية وقع عن أشياء تتصل بالخلق والرزق والقدرة والتدبير، وغيرها من صفات التأثير التي هي معنى لفظ الرب، فكان المقام يقتضي سؤالهم في آخر الآية عن ذلك، فيقال: أَرَبّ مع الله؟ لكن وقع السؤال بقوله: ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ لأن اللفظين متلازمان، لا فرق بينهما من حيث الواقع.
وإن كان استعمال كلمة إله هنا قد جاء لحكمة عظيمة، لأنه سألهم عن محل النزاع مباشرة، والمعنى أربّ يخلق ويرزق مع الله فيستحق التأليه معه. ولما كان الخلق والرزق والتدبير ليس محل نزاع كثير، وإنما النزاع في عبادة غير الله، لذلك عاجلهم باستنكار اتخاذ آلهة مع الله تعالى.
والمثال الثاني: قوله تعالى: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ (المائدة: ١١٧) والمقام يقتضي أن يقول: اعبدوا الله إلهي وإلهكم، لكن استعمل كلمة الرب مكان الإله للتلازم التام بين الكلمتين. والحكمة هنا -والله أعلم- أن ذكر الرب فيه تصريح بعلة العبادة، وهو ما يتضمنه لفظ الرب من معاني الخلق والرزق... إلى آخره، والمعنى: اعبدوا الله الذي خلقكم ورزقكم وتولاكم في سائر أموركم.
ب- التوحيد عقيدة شاملة:
إن التوحيد الذي أمرنا الله تعالى به إنما هو عقيدة شاملة، تستوجب يقين القلب وإسلام الوجه لله تعالى قولًا وعملًا، وإفراده -سبحانه وتعالى- وحده بالعبادة، كالصلاة