كما قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ (النجم: ١٩ - ٢٣).
والمعنى أن هذه التي تسمونها آلهة ليس لها من حقيقة الألوهية أدنى نصيب، وإنما هي أسماء على غير حقائق، كالغول والعنقاء وغيرهما من الأشياء المتوهمة.
ولذلك يقول القرآن الكريم متحديًا المشركين: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ﴾ (الرعد: ٣٣). والمعنى أن الله تعالى رقيب وعليم بكل شيء، وقد جعل له المشركون شركاء لا حقيقة لهم، وإنما عبدوها بظنون من القول وأوهام من الفكر باطلة.
ويقول تعالى منددًا بالمشركين، الذين يعبدون الأوهام المطلقة، تحت هذه الأسماء المخترعة: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (يونس: ١٨).
لذلك لم يترك القرآن الكريم دليلًا يصلح لخطاب البشر إلا أورده على أتم الوجوه، حتى لا نقول: إنه لم يسق الدليل على صحة الوحدانية أو وجوب التوحيد فقط، وإنما أوجب على الناس أن يتدبروا هذه الأدلة، وأن يفهموها ويحصلوها ولو إجمالًا، حتى يكونوا على بينة في أعظم حقائق الوجود، وحتى يكون إيمانهم على غاية الاستقرار، ولذلك نَوّع الأدلة في هذا تنويعًا عجيبًا، حتى تُناسب جميع الناس على اختلاف مستوياتهم وعصورهم.