﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ (البقرة: ٢٧٥) وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ (البقرة: ٢٧٨، ٢٧٩)
وهذا هو الأصلُ في تحريم الإسلام على أهله المعاملة المعروفة باسم الربا.
ولقد جاء الإسلام وقلوب الناس فارغة من معاني الرحمة والتعاون، يأكل قويّهم ضعيفهم، ويستغل غنيهم فقيرَهم، ولا فضلَ للغني سوى أنه ذو مال، ولا ذنبَ للفقير سوى أن ظروف حياته لم تهيئ له مواد الغنى وسبلَ الكسب.
وفي هذا الجو المظلم تفتق بشع الأغنياء عن هذه المعاملة، وتغاضوا ممن يباينونهم بقرض أو ثمن في مقابلة تأجيل القضاء زيادة عن رءوس أموالهم، واتخذوا ذلك سبيلًا لجمع الأموال وتكديسها من دماء المحتاجين، وبذلك نشأت الرأسمالية الطاغية، فمزّقت الإنسانية، وجعلت أفرادها أشبه بحيوان الغاب، الغني يطمع فيفترس الفقير، والفقير يحقد فيفترس الغني، ولكلٍّ سلاحه الذي يقتل به أخاه.
جاء الإسلام والناس على هذا الوضع السيئ، فأفرغ جهده في القضاء على منابع الشر، وأخذ بمبادئه الحكيمة يزيل الحواجز التي قطعت ما بين الناس من صلات التراحم والتعاون والبر والإحسان، وأخذ يبني المجتمع بناءً واحدًا، متماسك اللبنات، متضامّ الوحدات، وكان أول ما اتخذه من ذلك من الناحية الإيجابية الحثُّ على التعاون والتراحم، وأخذ القادر بيد الضعيف، ووصل ما قطعوا من صلات، ثم كان تحذيره الشديد فيما يختص بالناحية السلبية؛ فحرّم الربا بعد أن حرّم الشح والبخلَ بحق الفقير والمسكين، ولإظهار ما بين الناحيتين من تفاوت قابل القرآن الكريم في كثير من آياته بينهما، ووضع أمام الأبصار صورةً مضيئةً،


الصفحة التالية
Icon