بصاعين، مع أن صاعي من التمر يساوي أكثر من صاعين، وربما يقول المشتري: إن صاع البائع أقلّ من الصاعين اللذين دفعتهما له ثمنًا لتمره، فلا يقع التراضي الذي هو ركن من أركان البيع، ويحلّ محله الخصام والمشاحنة، والإسلام -كما عرفنا- حريص كل الحرص على المحافظة التامة على الإخاء والصفاء بين أفراد الأمة الإسلامية.
هل يباح الربا القليل؟ وما المراد من قوله: ﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ (آل عمران: ١٣٠)؟
ذهب بعض ضعفاءِ الإيمانِ من مسلمي هذا العصر، إلى أنّ الربا المحرم إنما هو الربا الفاحش، الذي تكون النسبة فيه مرتفعة، ويقصد منه استغلال حاجة الناس، أمّا الربا القليل الذي لا تتجاوز نسبته اثنين أو ثلاثة في المائة فإنه غير محرّم، ويحتجون على دعواهم الباطلة بأن الله -تبارك وتعالى- إنما حرّم الربا إذا كان فاحشًا؛ حيث قال -تبارك وتعالى-: ﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ (آل عمران: ١٣٠) فالنهي إنما جاء مشروطًا ومقيدًا بهذا القيد، وهو كونه مضاعفًا أضعافًا كثيرة، فإذا لم يكن كذلك، وكانت النسبة فيه يسيرة، فلا وجهَ لتحريمه.
وللجواب على ذلك يقول الصابوني في كتابه (روائع البيان في تفسير آيات الأحكام):
أولًا: إن قوله تعالى: ﴿أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ ليس قيدًا ولا شرطًا، وإنما هو لبيان الواقع الذي كان التعامل عليه أيام الجاهلية كما يتضح من سبب النزول، وللتشنيع عليهم بأنّ في هذه المعاملة ظلمًا صارخًا، وعدوانًا مبينًا؛ حيث كانوا يأخذون الربا مضاعفًا أضعافًا كثيرةً، فلقد ورد في سبب نزول هذه الآية: كان


الصفحة التالية
Icon