يسألهم القرآن سؤال تقرير عن حقيقة يعلمونها وإن كابروا فيها، ثم يكررها لهم زيادة في التقرير والتأكيد، فيقول تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُون﴾ (الأنعام: ٤٠، ٤١).
وينتزع لهم القرآن من حياتهم صورة واقعة حية، تعتمد على هذا المعنى الذي تتجه فيه النفوس إلى مالك القوى والقدرة، اتجاه شعور وفطرة وخضوع ودعاء، وتنسى ما عداه سبحانه حين تكتنفها الأخطار الماحقة. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾ ماذا بعد ذلك؟ لا أحد أمامهم سوى الله ﴿دَعَوُاْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِين﴾ (يونس: ٢٢).
النوع الثالث الذي استخدمه القرآن في الدلالة على توحيد الله: الأدلة العقلية:
وهي الأدلة التي تعتمد على عمليات نظرية وفكرية، كترتيب المقدمات واستخراج نتائجها، حسب ضوابط وقوانين وراء بداهة الحسّ ومشاعر النفس، وإن كان الإدراك في الجميع راجعًا إلى العقل، والأدلة العقلية أوسع مدى من أشكال المنطق اليوناني ودروبه المنتجة، لذلك لم يتقيد القرآن العظيم بهذا النمط الفكري، وإنما جاء على نمط خاص في الاستدلال العقلي، وهو ضرب من إعجازه الذي تفرد به.
وقد استخرج العلماء منه أنواعًا كثيرة؛ منها:
أولًا: الدليل البدهي: وهو الذي يقوم على استخدام الحقائق المشهورة والبديهات المستقرة، في ابتناء الدليل عليها، فيذعن الخصم للدليل إذعانًا إن كان