يعني: فلا يلزم إذا كان في نفس الآمر له حكمة في الأمر أن يكون في الإعانة على فعل المأمور به حكمة، بل قد تكون الحكمة تقتضي ألا يعينه على ذلك، فإنه إذا أمكن في المخلوق أن يكون مقتضى الحكمة والمصلحة أن يأمر بأمر لمصلحة المأمور، وأن تكون الحكمة والمصلحة للآمر ألا يعينه على ذلك، فإنكار ذلك في حق الرب أولى وأحرى.
والمقصود أنه يمكن في حق المخلوق الحكيم أن يأمر غيره بأمر ولا يعينه عليه، فالخالق أولى لإمكان ذلك في حقه مع حكمته، فمَن أمره وأعانه على فعل المأمور؛ كان ذلك المأمور به قد تعلق به خلقه وأمره نشأةً خُلقًا ومحبة، فكان مرادًا بجهة الخلق ومرادًا بجهة الأمر، ومن لم يعنه على فعل المأمور كان ذلك المأمور قد تعلق به أمره، ولم يتعلق به خُلقه؛ لعدم الحكمة المقتضية لتعلق الخلق به، ولحصول الحكمة المقتضية لخلق ضده، وخَلق أحد الضدين ينافي خلق الضد الآخر.
فإن خلق المرض الذي يحصل به ذلّ العبد لربه ودعاؤه وتوبته، وتكفير خطاياه، ويرقّ به قلبه، ويذهب عنه الكبرياء والعظمة والعدوان، يُضادّ خلق الصحة التي لا تحصل معها هذه المصالح، ولذلك خلق ظلم الظالم الذي يحصل به للمظلوم مِن جنس ما يحصل بالمرض، يضادّ خَلق عدله الذي لا يحصل به هذه المصالح، وإن كانت مصلحته هو في أن يَعدل.
وتفصيل حكمة الله في خلقه وأمره يعجز عن معرفتها عقول البشر، والقدرية دخلوا في التعليل على طريقة فاسدة، مثَّلوا الله فيها بخلقه، ولم يثبتوا حكمة تعود إليه.
احتجاج آدم على موسى -عليه السلام- بالقدر:
قال آدم لموسى: "أتلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن أُخلق بأربعين عامًا؟! " وشهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن آدم حَجَّ موسى، أي: غلبه بالحجة. هذا الحديث عن أبي هريرة في البخاري حديث رقم ٣٤٠٩، ومسلم حديث رقم ٢٦٥٢.