فإن قيل: كيف الجمع بين قوله: ﴿كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ﴾ وبين قوله: ﴿فَمِن نَّفْسِكَ﴾؟
قيل: قوله: ﴿كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ﴾ الخصب والجدب، والنصر والهزيمة كلها من عند الله، قوله: ﴿فَمِن نَّفْسِكَ﴾ أي: ما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك؛ عقوبةً لك، كما قال: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ (الشورى: ٣٠) يدل على ذلك ما رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قرأ: ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ "وأنا كتبتها عليك".
والمراد بالحسنة هنا النعمة، وبالسيئة البلية، وقد قيل: الحسنة الطاعة، والسيئة المعصية، وقيل: الحسنة ما أصابه يوم بدر، والسيئة ما أصابه يوم أحد، لكن القول الأول الذي هو المراد بالحسنة النعمة، وبالسيئة البلية، هذا القول شامل لمعنى القول الثالث والمعنى الثاني هو الحسنة ما أصابه يوم بدر والسيئة ما أصابه يوم أحد ليس مرادًا دون الأول قطعًا.
لكن لا منافاة بين أن تكون سيئة العمل وسيئة الجزاء من نفسه، مع أن الجميع مقدر، فإن المعصية الثانية قد تكون عقوبة الأولى، فتكون من سيئات الجزاء، مع أنها من سيئات العمل، والحسنة الثانية قد تكون من ثواب الأولى، كما دل على ذلك الكتاب والسنة.
وليس للقدرية أن يحتجوا بقوله تعالى: ﴿فَمِن نَّفْسِكَ﴾ فإنهم يقولون: إن فعل العبد حسنة كان أو سيئة فهو منه لا من الله، والقرآن قد فرق بينهما، وهم لا يفرقون، ولأنه قال تعالى: ﴿كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ﴾ فجعل الحسناتِ من عند الله، كما جعل السيئات من عند الله، وهم لا يقولون بذلك في الأعمال، بل في الجزاء، وقوله بعد هذا ما أصابك من حسنة ومن سيئة مثل قوله: وإن تصبهم حسنة وإن تصبهم سيئة.


الصفحة التالية
Icon