بخلاف النجاة من عذاب الآخرة، فإن الدعاء مشروع له، نافع فيه، ألا ترى أن الدعاء بتغيير العمر لما تضمن النفع الأخروي، شرع كما في الدعاء الذي رواه النسائي من حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي)) حديث صحيح، أخرجه النسائي.
ويؤيد هذا ما رواه الحاكم في صحيحه من حديث ثوبان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يرد القدر إلا الدعاءُ، ولا يزيد في العمر إلا البِر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)) أخرجه أحمد في (المسند).
وفي الحديث رد على من يظن أن النذر سبب في دفع البلاء وحصول النعماء، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن النذر وقال: ((إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل)). أخرجه البخاري.
والدعاء يكون مشروعًا نافعًا في بعض الأشياء دون بعض، وكذلك هو، ولهذا لا يحب الله المعتدين في الدعاء، وكان الإمام أحمد -رحمه الله- يكره أن يُدعى له بطول العمر، ويقول: هذا أمر قد فرغ منه.
وأما قوله تعالى: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلَّا فِي كِتَابٍ﴾ (فاطر: ١١) فقد قيل في الضمير المذكور في قوله تعالى: ﴿مِنْ عُمُرِهِ﴾ إنه بمنزلة قولهم: عندي درهم ونصفه؛ أي: ونصف درهم آخر، فيكون المعنى: ولا ينقص من عمر معمر آخر، وقيل: الزيادة والنقصان في الصحف التي في أيدي الملائكة، وحمل قوله تعالى: ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاب * يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب﴾ (الرعد: ٣٨ - ٣٩) على أن المحو والإثبات من الصحف التي