فاستخدم لفظ هو يُعد من مبتكرات القرآن فأوقد لي يا هامان على الطين، أوقد لي يا هامان على الطين، هذا الاستخدام وهذه الصورة البديعة التي كما قلت حار البلاغيون في روعتها وفي خفتها وفي وقعها في سياق الآيات وفي جمالها، عندما تسمعها من القارئ وهو يقلقل الدال وينطق اللام برقة، اللام مرققة لكسرها، فأوقد لي يا هامان، هذا الإحساس الذي تشعر به وأن تستمع للآية، ويجذبك ويجعلك بقلبك منصتًا لكلام الله -عز وجل- هذا لا يتأتى مع كلمة الآجُر أو مرادفها من الكلمات ناهيك عما يدل على غباء فرعون بهذا الطلب، فكأنه يطلب منه أن يبني له إلى ما لا نهاية، فإن الطين الذي يوقد عليه لا يُفرغ من البناء فيه في وقت، وإنما أراد العجلة فكان الطول في إحداث هذا الأمر الذي يريد، ذلك كله ضرب من ضروب التلاؤم في حروف القرآن الكريم وصلتها بالمخارج كما بينا.
المسألة الثانية في الحروف هي مسألة شكل الحرف، ماذا نعني بشكل الحرف؟
الحرف الذي ننطقه في الألفاظ القرآنية تجد بينه وبين شبيهه علاقة، هذه العلاقة ما يُسمى بالتجانس، هناك فرق بين الجناس والتجانس، الجناس كما تعلم جناس تام وجناس ناقص وتوافق الحروف مع اختلاف المعنى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ (الروم: ٥٥)، فالساعة الأولى مراد بها القيامة والساعة الثانية المراد بها وقت الساعة المعروفة في نهار اليوم التي يعرفها البشر، فهذا ما يسمى بالجناس التام: توافق الحروف في الشكل مع اختلافها في المعنى.
وهناك جناس يُسمى جناس ناقص: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ (الأنعام: ٢٦) توافق الحروف مع اختلاف حرف من حروفها، ينهون وينأون، الهاء والهمزة مع


الصفحة التالية
Icon