كذلك في قول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه﴾ (آل عمران: ٥٤) فالله -سبحانه وتعالى- جازاهم على مكرهم، فاستعير للجزاء على المكر اسم المكر؛ لتحقيق الدلالة، بني الدِلالة والدَلالة والدُلالة كلها فصيحة، تسمع الكلمة بالكسر أو بالفتح، لتحقيق الدِلالة على أن وبال المكر راجع عليهم ومختص بهم، هذا التجانس.
والمناسبة أيضًا تأتي في المعاني التي من أصل واحد كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم﴾ (التوبة: ١٢٧) فجونس بالانصراف عن الذكر صرف القلب عن الخير، والأصل فيه واحد، وهو الذهاب عن الشيء؛ يعني أصل الصرف هو الذهاب عن الشيء فلذلك جونس بينهما، فهم عندما ذهبوا عن الذكر فقد ذهبت قلوبهم عن الخير، فكلاهما ذهب، وكذلك قوله تعالى: ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَار﴾ (النور: ٣٧) فجونس بالقلوب التقلب، والأصل واحد، فالقلوب تتقلب بالخواطر والأبصار تتقلب في المناظر وأصلهما التصرف، هذا ما يتعلق بمسألة الشكل وأثره في الحروف وأثره في ألفاظ القرآن الكريم.
النقطة الثالثة: الأثر المعنوي للحروف ومخارجها، هذه النقطة لكي تتبينها لا بد أن تعرض لشيء في غاية الأهمية، وهو أن توازن بين ألفاظ القرآن وبين غيرها.
نرجع إلى المرد الأول وسر الإعجاز: أن القرآن لا تستطيع أن تضع فيه كلمة مكان كلمة، أو حرفًا مكان حرف، أو جملة مكان جملة، وكما قالوا لو أدرت اللغة جميعها أي لو بحثت في لغة العرب جميعًا لا تجد كلمة تصلح أن توضع


الصفحة التالية
Icon