الذي يأتي مع الحروف الفواصل بوجه خاص، وسياق الآيات بوجه عام، يعني هناك تجد مثلًا ما يُقال في علماء البلاغة عندما يلحظون أن الحرف إذا تكرر يعطي ثقلًا في الكلام، أما في القرآن تجد مثلًا حرف الميم تكرر متتاليًا ولم يعطِ ثقلًا وإنما أعطى جمالًا وروعة: ﴿وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَك﴾ (هود: ٤٨)، لو نطقت هذه الآية الكريمة في سورة هود ﴿وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَك﴾ تجد نفسك تحرك حرف الميم ما بين أصلي وما بين ناتج عن الإدغام وما بين ناتج عن الغنة، هذا حرف الميم يتكرر متتالي ويعطي جرسًا موسيقيًا عاليًا تستمتع به وأنت تقرأ الحرف مع أنه حرف واحد متماثل، أما في الفواصل كان هذا الاهتمام في هذا المجال بها، الاهتمام بالفاصلة أو رء وس الآي، وهي الكلمة الأخيرة في الآية، فإن لفظ الفواصل قد يُتسامح في إطلاقه على جمل في درج الآية، كما قالوا في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغ﴾ (الكهف: ٦٤).
فعندما برروا حذف الياء قيل لأجل الفاصلة، يعني الأصل أن الفعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة معتل الآخر، فليس مجزومًا كي تُحذف الياء التي هي حرف العلة المنتهي به الفعل، وإنما حُذفت في هذه الآية مع أن الفعل مرفوع وأثبتت في قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي﴾ (يوسف: ٦٥) والفعل مرفوع فعندما عللوا سبب الحذف في آية الكهف قالوا: لأجل الفاصلة كذلك في قوله تعالى: ﴿مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ﴾ (القمر: ٨) هي إلى الداعي، فحُذفت الياء اللفظ من الاسم المنقوص مع وجود الألف واللام مع أن القاعدة إثبات الياء في مثل هذا الوضع، قيل أيضًا: لأجل الفاصلة، وهذا كلام سيبويه -رحمه الله، فأطلق لفظ الفاصلة على درج الآية، أي جملة من جمل الآية في وسطها، ذلك حدث أو تسومح أو كان على وجه المسامحة.