فالواو هنا أتت زائدة وكذلك في قوله تعالى: ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ (البقرة: ٢٥٩) قالوا: وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ، هذا القول الذي قيل في زيادة الواو هو محل أخذ ورد، والأولى رده لأن القول بالزيادة هنا ليس كالقول بالزيادة في المواضع التي سنتطرق إليها في قضية التأكيد بالحرف الزائد.
حرف الفاء: الأساس أنها تدل على الترتيب، بمعنى أن ما بعدها يأتي بعد ما قبلها، وهذا الترتيب يكون للتعقيب، بمعنى السرعة، يعني يليه مباشرة، ليس هناك فترة زمنية بين المتعاطفين: ﴿أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ (عبس: ٢١) فإن الإقبار يكون بعد الموت مباشرة، كذلك تفيد الفاء التسبب؛ أي أن ما قبلها يكون سببًا لما بعدها، ويستدل له بقوله تعالى: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ (القصص: ١٥) فإن هذا الوكز كان سببًا في موت الرجل، وكذلك قول الله -سبحانه وتعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى﴾ (الأعلى: ٦)، وقوله تعالى: ﴿فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ﴾ (الصافات: ١٤٨)، وقوله تعالى: ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ (الحجر: ٣٤)، وقوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ (البقرة: ٣٧)، فهذه الكلمات كانت سبب التوبة، والخروج كان بسبب أنه -لعنه الله- رجيم. وكذلك الإيمان كان سببا في تمتيعهم وإقراء المولى -سبحانه وتعالى- لرسوله الكريم عن طريق جبريل -عليه السلام- كان سببا في عدم نسيانه -صلوات الله وسلامه عليه- بأنه لا ينسى ما يُتلى عليه وما يُوحى إليه -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
هذان المعنيان هما الأكثران والغالبان في استخدام الفاء، أما باستقراء أو بالنظر في كتاب الله -سبحانه وتعالى- توجد معان أخرى للفاء، استنبطها العلماء وحاولوا تعريفها وتبيينها؛ ليتضح من خلالها أن الفاء لا يُشترط أن تكون بمعنى الترتيب والتعقيب أو بمعنى التسبب دون غيرهما من المعاني، فقالوا: هناك عندنا ما تُسمى بالفاء