الفصيحة، الفاء الفصيحة -كما ذكر الزمخشري- لا تقع إلا في الكلام البليغ، وعرّفت بأنها التي تكون جوابًا لشرط مقدر مع الأداة؛ بمعنى أنك تجد في الكلام حذفًا، هذا الحذف عبارة عن شرط مقدر حُذف هو وأداته وبقي الجواب، وبالمثال يتضح المقال، قال الله -سبحانه وتعالى: ﴿فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ﴾ (الروم: ٥٦) أي: إن كنتم منكرين للبعث فهذا يوم البعث، كذلك قول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ (الماعون: ١، ٢)، فإذا أردت ربطًا بين الآيتين ستجد تقديرًا وهو: إن أردت معرفته ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾.
والصورة الأخرى للفاء الفصيحة هي: أن تعطف على محذوف، أي هناك حذف بينها وبين ما قبلها، كقوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ (البقرة: ٥٤) أي ففعلتم ذلك فتاب عليكم، وكقوله تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ (البقرة: ٦٠) أي فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، وقوله تعالى حكاية عن بني إسرائيل: ﴿قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا﴾ (البقرة: ٧١) أي فحصّلوا البقرة فذبحوها. صورة أخرى من صور الفصيحة وهي وقوعها بعد أمر أو نهي مقدر كقوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ﴾ (المائدة: ١٩) أي لا تعتذروا فقد جاءكم بشير ونذير.
النوع الثاني من الفاء هو "الفاء التفريعية": التي تدل على التفريع كقوله تعالى: ﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ (يس: ٧٢)، كذلك الفاء التفسيرية، وهي التي تفسّر ما قبلها: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ (الأعراف: ١٣٦)، ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾