(النساء: ١٥٣)، كذلك الآية التي اعتُرض بها على أن الفاء تفيد الترتيب في قوله تعالى: ﴿أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا﴾ (الأعراف: ٤) قالوا: مجيء البأس يكون قبل الإهلاك، والبأس هو الذي يؤدي إلى الهلاك، فليس هنا ترتيب، وكذلك قالوا في آية: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ فإن هذا الإغراق هو الانتقام، وتُحمل هذه الآيات على أن الفاء فيها تفسيرية؛ أي فسرت صورة الإهلاك وصورة الانتقام، وربما يرى البعض أن الفاء في هذا الموضع تكون على معنى الإرادة، أي في قوله سبحانه: ﴿أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا﴾ أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا، ومنهم من ذهب إلى أن الفاء فيها للترتيب الذكري، فالمذكور بعدها مرتب على ما قبلها.
كذلك قالوا بزيادة الفاء في قوله تعالى: ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾، وقوله تعالى: ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ﴾ (ص: ٥٧)، وهو مما لا داعي له لصحة تخريج الآية على غير الزيادة، ولعدم الفائدة التي تترتب على القول بالزيادة، كما سنرى في حروف الجر مثلا أنها تؤدي إلى فائدة عظيمة في المعنى. وكذلك من معاني الفاء " الترتيب الذكري" كقوله تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾ (هود: ٤٥)، وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ (النحل: ٩٨)، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا﴾ (الواقعة: ٣٥، ٣٦) فدلت على الترتيب الذكري بمعنى أن المذكور بعدها مرتب على ما قبلها؛ أي ترتب على نداء نوح -عليه السلام- أنه يدعو ربه بأن ابنه من أهله، ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾ (هود: ٤٥) فإنه يسأل ربه -سبحانه وتعالى- نجاةَ ابنه بعاطفة الأبوة.