فإنه يجوز أن تجالس الفريقين، ومما يحتمل ذلك في كتاب الله -سبحانه وتعالى- قوله: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ (النساء: ٣) فيجوز لك أن تقتصر على الواحدة أو على ما ملكت اليمين، أو أن تجمع بينهما؛ أن تتزوج واحدة وما معك من ملك اليمين، فكان ذلك دليلًا على أنها تفيد الإباحة، هذا بالنسبة لـ "أو" في وقوعها بعد الطلب. أما إذا وقعت بعد الخبر لها معانٍ، تفيد الشك كقوله تعالى: ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ (الكهف: ١٩)، وكذلك تفيد الإبهام كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (سبأ: ٢٤) وذلك إذا لم يرد المخبر أن يبين وهو عالم بالمعنى، فهذه الآية الكريمة يستشهد بها على ذلك فإن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يعلم من هو الذي على هدى، ولكن استخدمت "أو" هنا للإبهام على السامع.
كذلك تعطي معنى التفصيل، كقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾ (البقرة: ١٣٥) ﴿قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ (الذاريات: ٥٢) فتفصيل الأقوال التي قيلت: ﴿قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ بعضهم قال: ساحر، وبعضهم قال: مجنون، وهم قالوا القولين؛ قالوا بأنه ساحر وقالوا بأنه مجنون، فأفادت تفصيل قولهم. كذلك تفيد "أو" التقسيم أو التنويع، كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا﴾ (يونس: ١٢)، وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ (البقرة: ١٨٤). كذلك تفيد الإضراب كقوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ (الصافات: ١٤٧) أي بل يزيدون، الإضراب أي أن تكون بمعنى بل، وكقوله تعالى: ﴿كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ (البقرة: ٢٠٠) أي بل أشد ذكرا، وقوله تعالى: ﴿كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ (النحل: ٧٧) بل هو أقرب.


الصفحة التالية
Icon