وكذلك تكون بمعنى الواو، إذا عطفت ما لابد منه ويحتملها، كقوله تعالى: ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ (البقرة: ٧٤)، ﴿قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا﴾ (آل عمران: ١٦٧)، ﴿فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ (الذاريات: ٣٩) قال: ساحر ومجنون، بدليل قوله تعالى حكاية عنه: ﴿إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ (الأعراف: ١٠٩)، وقوله كذلك: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ (الشعراء: ٢٧) فهنا يقولون: إن "أو" بمعنى الواو، ويمثّل أيضًا له بقوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى﴾ (العلق: ١١، ١٢) أي وأمر بالتقوى.
لعلك -أيها الابن الحبيب- لاحظت مما ذكرت لك من معاني "أو" أن الحرف قد يكون له أكثر من معنى، فهذا هو في الحقيقة سر الإعجاز في استخدام هذه الحروف؛ أن الحرف يأتي في موضع واحد يحتمل كذا وكذا وكذا، مما يؤدي إلى توفير المعاني مع اتحاد اللفظ، وهذا مظهر من مظاهر الإعجاز اللغوي، وأمثّل لك بهاتين الآيتين قال تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ (البقرة: ٢٣٥) "أو" هنا تحتمل التفصيل وتحتمل التخيير وتحتمل الإباحة وتحتمل الإبهام على المخاطب، كذلك في قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ (البقرة: ٢٠٠) فتحتمل التخيير أو الإباحة أو الإضراب.
كذلك من اللطائف أن هذا الاستخدام يؤدي إلى ما ينبني عليه من أحكام، استخدام هذا الحرف هل هو للتخيير أم للإباحة أو للتقسيم، هذا يؤدي إلى ثمرة نعرفها في الخلافات الفقهية بين الفقهاء: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ (البقرة: ١٩٦) فهنا الذي يقع في محظور من محظورات الإحرام أيكون الأمر بالنسبة له على التخيير بين أي كفارة من الثلاث إما أن يصوم أو يتصدق أو يذبح، وهذا