﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ (البقرة: ١٠٤) هذه الآية الكريمة تجد أنها دائمًا تقع في أول السور، ، ولم تقع وسط الآيات، إلا في آية واحدة في سورة الأحزاب: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: ٥٦). كأن ذلك اختصاص للنبي -صلى الله عليه وسلم- فبندائه صلوات الله وسلامه عليه. وكما قلت لكم: إن مثل هذا من اللطائف التي كما قيل عنها تُشَمّ ولا تؤكل، فهي لطيفة يشار بها.
ويشار كذلك من لطائف استخدامات النداء، أنّ اقتصار كتاب الله -سبحانه وتعالى- على الحرف يا فيه إشعار بأنّ هذا الحرف يُستخدم في سائر الاستخدامات دون غيره، فكأنّك به تجده للقريب محل، أي والهمزة، ولتنظر مثلًا هذا الحوار بين إبراهيم -عليه السلام- وأبيه: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ (مريم: ٤٥) ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ (مريم: ٤٣) إلى آخر سياق الآيات فهذا النداء به من الشفقة والحنان، والمودة من إبراهيم -عليه السلام- مع أبيه ما تراه.
وترى المقابلة في الاستخدام: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ﴾ (مريم: ٤٦) فنداه باسمه، ولم يناده بـ"يا بني" مثلًا مقابلة لما نادى به إبراهيم -عليه السلام.
كذلك تجد هذا الحرف يستخدم للبعيد كما استخدم للقريب: ﴿وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِين﴾ (القصص: ٢٠) فكأنك تراه ينادي على قومه فيما يذكره المولى سبحانه وتعالى في هذه الآية، ويصيح بهم ويطلب منهم أن يتبعوا من أرسلهم الله -سبحانه وتعالى- وكذلك: ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِين﴾ (القصص: ٢٠).


الصفحة التالية
Icon