وقال تعالى: ﴿قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ (الحُجُرات: ١٤) فنفى الله -سبحانه وتعالى- عنهم دعوى الإيمان: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا﴾ وأثبت لهم الإسلام: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ﴾ أي: إلى أن يدخل الإيمان قلوبكم عند ذلك يصح إيمانكم، فهذا فرق أيضًا بين "لم" و"لما".
الفرق الثالث: هو أنّ منفي "لما" متوقع ثبوته بخلاف منفي "لم" قال تعالى ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَاب﴾ (ص: ٨) فهم لم يذوقوه إلا أنه متوقع، وقال سبحانه وتعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم﴾ (البقرة: ٢١٤) وقال سبحانه: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ فذلك فيه دلالة على إيمانهم فيما بعد.
وأنّ إيمانهم كان متوقعًا، أمّا منفي "لم" فلا توقع فيه؛ فهو ثابت ومستمر، قال سبحانه وتعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾ (الإسراء: ١١١) وقال سبحانه: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد﴾ (الإخلاص: ٣) وعاقب ابن هشام بأنهما في نفي المستقبل قد يكون هذا متوقعًا، أي: ما بعد "لما" بخلاف "لم" أما إذا نفي الماضي فهما سيان في نفي التوقع؛ فإذا كان الزمن الذي نُفي هو زمن مضى بقرينة السياق وبقرينة المعنى؛ فإنّ ذلك يشترك فيه لم ولما دون توقع بينهما.
نأتي للحرفين التاليين اللذين هما لنفي الحال، وهما "ما" و"إن" فـ"ما" تعمل بوظيفة نحوية معروفة؛ فتعل عمل ليس مع الجملة الاسمية، وهي لغة الحجاز، هي لغة قريش، وجاء بها قوله تعالى: ﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ (المجادلة: ٢) بكسر التاء في أمهاتهم على أنها منصوبة لكونها خبر "ما" العاملة عمل ليس، وفي قوله تعالى: ﴿مَا هَذَا بَشَرًا﴾ (يوسف: ٣١) كذلك نصبت "بشرًا" على أنها خبر لـ"ما" العاملة عمل


الصفحة التالية
Icon