كل ذلك إنكار إبطالي لماذا؟ لأن ما بعد الهمزة غير واقع، وأن الذي ادعى هذا الكلام هو كاذب، فهؤلاء الذين ادعوا أن الله -سبحانه وتعالى- اتخذ من الملائكة إناثًا، وأنه اصطفاهم بالبنين هؤلاء كاذبون، وكذلك كل من افترى كذبًا؛ فكُذب بهذا الاستفهام الإنكاري كقوله تعالى: ﴿أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ﴾ (الزُّخرُف: ١٩) فهم لم يشهدوا خلق الملائكة، وإنما ادعوا ذلك ادعاء، وهم كاذبون فيه، هذا ما يسمى بالإنكار الإبطالي.
أما الإنكار التوبيخي فما بعد الهمزة واقع، ولكنّ فاعله ملوم أو يستحق أن يعاتب أو أن يوبخ، فقال سبحانه وتعالى: ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُون﴾ (الصافات: ٩٥) وقال سبحانه: ﴿أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ﴾ (الأنعام: ٤٠) وقال سبحانه: ﴿أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُون﴾ (الصافات: ٨٦) وقال سبحانه: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِين﴾ (الشعراء: ١٦٥) فهم فعلوا هذه الأشياء، ويستحقون أن يوبخوا عليها؛ فمن ثَمّ تُسمى الهمزة هنا للإنكار التوبيخي.
وقد تأتي الهمزةُ للتهكم كقول قوم شعيب له عليه السلام: ﴿يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء﴾ (هود: ٨٧) ﴿أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ﴾ هم يتهكمون عليه -عليه السلام.
وكذلك تُستخدم الهمزة للأمر قال سبحانه وتعالى: ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾ (آل عمران: ٢٠) أي: أسلموا، ﴿َقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ﴾ أي: قل لهم: أسلموا؛ فإن أسلموا فقد اهتدوا. فالهمزة هنا استفهام دلالته الأمر.