"ادخل" فيبقى هنا السؤال كما هو ما المراد بالفاء في قوله تعالى: ﴿فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا﴾؟
يقول: أن الفعل "اسكن" يُقال لمن دخل مكانًا، ويراد به الزم المكان الذي دخلته، ولا تنتقل منه، ويُقال أيضًا لمن لم يدخله "اسكن هذا المكان" يعني: ادخله واسكن فيه.
أي: هذا الفعل يُقال على حالين قد يقال لك بعد الدخول، وقد يقال لك قبل الدخول؛ فإذا قيل لك قبل الدخول على معنى ادخل واسكن، وإذا قيل لك بعد الدخول، فهنا قد حدث لك استقرار في المكان؛ فيطلب منك أن تأكل؛ لأنك دخلت المكان بالفعل، وحدث لك استقرار به، ومن ثم قيل: "فكلا" أي أنه في موضع كان الخطاب بعد الدخول، وفي موضع كان الخطاب قبل الدخول، ورُجّحَ أنّ الخِطَاب بعد الدخول في سورة الأعراف، ومن ثَمّ استُخْدِم معها حرف الفاء؛ لتكون مقابلة لقوله تعالى: ﴿اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا﴾ (الأعراف: ١٨) فيكون دخول آدم عليه السلام وزوجه الجنة في مقابل خروج إبليس عليه اللعنة منها، ويكون ذلك مظهرًا من مظاهر الإبداع في استخدم الحرفين الفاء والواو في موضع متشابه.
ثم أتى بمثال آخر على حروف النفي، سبق أن ذكرنا أن لا ولن يستخدمان لنفي المستقبل مع المضارع، فيأتي هنا الشيخ، ويذكر لنا موضعين قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين * وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمين﴾ (البقرة: ٩٤ - ٩٥) وقال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِين * وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ (الجمعة: ٦ - ٧)


الصفحة التالية
Icon