فهنا الموضعان السياق مُتشابه بين الموضعين في ظاهره، لمن لا يتأمل الكلام يظن أن الموضعين متشابهان، واستخدم في أحدهما "لن" واستخدم في الآخر "لا" فيسأل عن الفرق في استخدام "لن" واستخدام "لا" مع أنّ كليهما لنفي المستقبل.
فيقول هنا الشيخ في جواب هذه المسألة: "أن الشرط في سورة البقرة يختلف عن الشرط في سورة الجمعة، فالشرط سورة البقرة متعلق بما يفيد الانتهاء، وبما يفيد التمام؛ لأنهم ذكروا أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس، وأنهم لهم الآخرة، ولا أحد يُشاركهم فيها، فمن ثم كان تأكيد وتأبيد النفي على حالهم باستخدام "لن": ﴿وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا﴾.
أما في سورة الجمعة فهم زعموا أنهم أولياء لله، وهذه الولاية لا تستلزم خلودًا، ولا تستلزم استمرارًا في النعيم، وإنما تتطلب ما بعدها من الخلود في دار الجزاء، ودار الكرامة، وهم لم يدعوا ذلك؛ فناسب ذلك استخدام الحرف "لا" وهو أقل من "لن" في إفادة تأكيد النفي، ولا يفيد التأبيد كما أفادت لن".
وهنا مسألة نقف معها، وهي مسألة "التأبيد في حرف لن وفي استخدامه" فالناظر يجد في الآيتين استخدم معهما كلمة "أبدًا" ﴿لَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا﴾ ﴿وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا﴾ فالتأبيد هنا يستفاد من استخدام كلمة أبدًا، أما لفظ "لن" لحاله ولفظ "لا" لحاله لا فرق بينهما، وهذا الذي يرتاح إليه الرأي كما قال ابن هشام، أنّ هذا دعوة لا دليل فيها، كون أن نذكر أنّ "لا" تُفيد النفي فحسب؛ وأنّ لن تفيد تأكيد النفي؛ فهذا كلام ذكرناه قبل ذلك أنه لا دليل عليه.
فإن احتج أحد بقوله تعالى: ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ﴾ (البقرة: ٢٤) وبقوله تعالى: ﴿لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ (الحج: ٧٣) عروض بما ذكرنا من


الصفحة التالية
Icon