اختلس الألف اختلاسًا، فكأنها تحولت من الجمع إلى الإفراد، وذلك كما قرأ بعضهم بيت شعر فقال: "بعض مفيها مفيها" بدلًا: "من ما فيها".
فهذا الاختلاس الذي تم هذا يرفض؛ لأنه غيَّر من الكلمة، وحولها من كلمة لأخرى، فلذلك يقول صاحب (جَمال القِراءة) -وهي (جمال القُراء، وكمال الإقراء) للعلم السخاوي في الكتاب صاحب (جمال القراءة) ويبدو والله أعلم أن المقصود هو السخاوي في كتابه (جمال القراء وكمال الإقراء) - إن أول ما غنَّى به القرآن قِراءة الهيثم: "أما السفينة... " فكما تقدم. فلعل ذلك أول ما ظهر من هذا النوع من قراءة التلحين الذي هو مرفوض؛ لأنه خروج عن قراءة القرآن كما أنزلها المولى -سبحانه وتعالى- لتجويدها وأحكامها، بل عد الشافعي ذلك من أفعال الزنادقة الذين وضعوا ما يسمى بالتغيير؛ ليصدوا الناس عن ذكر الله وقراءة القرآن، وهي إدخال الإنشاد واستخدام الأساليب التي تذهب جلالَ القرآن وقدسيته في النفوس إذا ما استخدم القرآن بالتلحين.
وبالجملة: فإن التعبد بفهم معاني القرآن في وزن التعبد بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراء المتصلة بالنبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-.
أما الجانب الآخر في موضوع قراءة التلحين هو ما ورد في أحاديث صحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يسمى بالتغني بالقرآن. هناك فرق بين ما أحدثه القراء من هذه البدع المرفوضة، وبين ما أشار إليه نبينا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- في الأحاديث الصحيحة: ((ما أذن لنبي يتغنَّى بالقرآن)) وفي رواية: ((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن، يجهر به)) وحديث: ((ليس منا مَن لم يتغنى بالقرآن)). فالمراد بالتغني بالقرآن هو تحسين الصوت، بدليل الحديث المشهور عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم: ((لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك


الصفحة التالية
Icon