البارحة، لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود، فقال -رضي الله عنه-: أما والله لو علمت أنك تسمع قراءتي، لحبرتها لك تحبيرًا)).
هذا ما نص عليه ابن كثير -رحمه الله- في قوله: أن المراد تحسين الصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه، والخشوع والخضوع، والانقياد بالطاعة، أما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية، والقانون الموسيقي -كما يقولون- فالقرآن منزه عن هذا، ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب، وهذا محظور كبير نص الأئمة على النهي عنه؛ لأنه كما قلنا: لو خرج إلى التنطيط الفاحش الذي يزيد بسببه حرف أو ينقص حرف، فقد اتفق العلماء على تحريم ذلك.
أما التحزين بالقرآن وهو ما ذكره الرافعي -رحمه الله- على أنه صور من صور التلحين، أنه يقرأ على وجه حزين يكاد يبكي مع خشوع وخضوع، فهذا ما ذهب إليه الرافعي -رحمه الله- لأن هذا الأصل في قراءة القرآن أن القارئ يُستحب له البكاء والتباكي لمن لم يقدر على البكاء والحزن والخشوع؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ (الإسراء: ١٠٩) ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتلوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا)) وفي الحديث الذي رواه أبو داود بسنده عن عبد الله بن الشخير -رضي الله عنه وأرضاه- عن أبيه قال: ((رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء)) وفي (الشعب) للبيهقي الحديث عن سعد بن مالك مرفوعًا: ((إن هذا القرآن نزل بحزن وكآبة، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا)).
ولذا قال الغزالي -رحمه الله-: البكاء مستحب مع القراءة وعندها، فذلك أمر مطلوب. وأيضًا كي لا نتحامل على شيخنا الرافعي، فإن نستطيع أن نقول: إن